الى اي مدى يحقق نظام العمل في العصر الحديث انسانية الانسان
يحيل العمل بداية إلى مستوى "الحاجة"، أي الحاجة البيولوجية التي تتطلب الإشباع من أجل ضمان البقاء. تتحدد هذه الحاجة في معطيين أساسيين الغذاء والأمن وهي حاجات طبيعية ترتبط بالبعد البيولوجي المميز للإنسان ككائن حي، والإنسان انطلاقا من هذا السياق هو مجرد كائن حي ، يخضع، في وجوده، إلى مقتضيات الضرورة الطبيعية مثله مثل بقية الكائنات الحية. إن مقتضى الضرورة الطبيعية يلزم الكائن الحي بإشباع الحاجة الطبيعية كما أسلفنا للغذاء والأمن، وبالتالي يكون العمل بداية هو هذا "النشاط" الذي يتوسل به الإنسان إشباع هذه الحاجة الطبيعية الضرورية. ليس العمل في نهاية الأمر غير الآلية التي يواجه من خلالها خطر الموت، ذلك أن العمل تاريخيا لم يظهر "إلا في اليوم الذي تواجد فيه بشر كثيرون يقتاتون من الثمار الطبيعية للأرض، والتي لم تعد كافية لتلبية حاجاتهم من الغذاء. فالبعض لم يستطع البقاء في الحياة – بحكم ندرة الغذاء- والبعض الآخر كان سيلقى نفس المصير لولا أنه شرع في العمل في الأرض... إن البشرية لا تشتغل في كل فترة من حياتها إلا تحت تهديد فكرة الموت، إذ أن كل مجتمع إذا لم يعثر على ثروات جديدة فهو محكوم بالفناء. وبالعكس من ذلك فبقدر ما يتزايد البشر بقدر ما تكثر معهم أعمال متنوعة، متباعدة فيما بينها وأكثر صعوبة من ذي قبل."( ميشيل فوكو )