يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ. وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. رواه البخاري. قال أهل السِّيَر: لَمَّا أسلَمَ أبو بكر جعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام مَنْ وَثَقَ به مِنْ قومه، مِمَّنْ يغشاه ويجلس إليه، فأسلَمَ على يديه: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا.
ولَمَّا أَخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وقال له: «إنَّ اللهَ قد أَذِنَ لِي في الخُروجِ والهِجرة» نَسِيَ أبو بكر كلَّ شيء، نسي أهلَه، ومالَه، وقَومِيَّتَه، ووطَنه، وصاح بصوت بَلَّلَتْه الدموع: «الصُّحبة يا رسول الله». قالت عائشة - رضي الله عنها -: «فواللهِ ما شعرتُ قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحداً يبكي من الفرح حتى رأيتُ أبا بكرٍ يبكي يومئذ». ومن عظيم حبِّه للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان ينحاز عن الظلِّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمشي أمامه خشية الرصد، ويمشي خلفه خشية الطلب، فإذا كان حُبُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم معياراً لكمال الإيمان؛ فمَنْ يُباري أبا بكرٍ ومَنْ يُجاريه؛ بل مَنْ يُقارِبه ومَنْ يُدانيه؟ فقد سَطَّرَ - رضي الله عنه - دروساً في المحبة والفِداء بدمائه، ودموعه، وماله.
وكان أبو بكرٍ أشجع الناس، ومِمَّنْ شهد بذلك عليٌّ - رضي الله عنه -؛ حيث قال: «رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخَذَتْهُ قريشٌ؛ فهذا يُحادَّه، وهذا يُتَلْتِله، ويقولون: أنتَ جعلتَ الآلهةَ إلهاً واحداً! فواللهِ ما دنا مِنَّا أحدٌ، إلاَّ أبو بكر يضرب ويُجاهد ويُتلتِل هذا، وهو يقول: ويْلَكُمْ؛ أتقتلون رجلاً أنْ يقول: ربِّيَ اللهُ». ثم قال عليٌّ - رضي الله عنه -: «أَنْشُدُكم اللهَ، أَمُؤمِنُ آلِ فرعونَ خير أم هو؟ فسكتَ القومُ، فقال عليٌّ: فواللهِ لساعة من أبي بكرٍ خير من مِلءِ الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجلٌ يكتم إيمانه، وهذا رجلٌ أعلَنَ إيمانَه».