معنى قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} كما ورد في تفسير ابن كثير :
قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) كما قال تعالى : ( وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) [ يونس : 41 ] وقال : ( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) [ القصص : 55 ] .
وقال البخاري : يقال : ( لَكُمْ دِينُكُمْ ) الكفر ( وَلِيَ دِينِ ) الإسلام . ولم يقل : " ديني " لأن الآيات بالنون ، فحذف الياء ، كما قال : ( فَهُوَ يَهْدِينِ ) [ الشعراء : 78 ] و ( يَشْفِينِ) [ الشعراء : 80 ] وقال غيره : لا أعبد ما تعبدون الآن ، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، وهم الذين قال : ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) [ المائدة : 64 ] .
انتهى ما ذكره .
ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد ، كقوله : ( فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً . إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ) [ الشرح : 5 ، 6 ] وكقوله : ( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْن الْيَقِين ) التكاثر : 6 ، 7 ] وحكاه بعضهم - كابن الجوزي ، وغيره - عن ابن قتيبة ، فالله أعلم . فهذه ثلاثة أقوال : أولها ما ذكرناه أولا . الثاني : ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد : (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) في الماضي ( وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) في المستقبل . الثالث : أن ذلك تأكيد محض .
وثم قول رابع ، نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه ، وهو أن المراد بقوله : ( لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) نفي الفعل لأنها جملة فعلية (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) نفي قبوله لذلك بالكلية ; لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل ، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا . وهو قول حسن أيضا ، والله أعلم .
وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى ، وبالعكس ; إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به ; لأن الأديان - ما عدا الإسلام - كلها كالشيء الواحد في البطلان . وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس ; لحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " .
آخر تفسير سورة " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " ولله الحمد والمنة .