16.4ألف مشاهدة
ما هي العلاقة بين الاستعمار والحركة الصهيونية
بواسطة عُدل

1 إجابة واحدة

0 تصويت

العلاقة بين الاستعمار والحركة الصهيونية

يتمثل أحد العناصر الجوهرية لظاهرة الاستعمار الغربي في تصدير مشكلات أوروبا الاقتصادية والاجتماعية إلى الشرق، وفي هذا الإطار كانت الصهيونية هي الحل الاستعماري للمسألة اليهودية، أي تصديرها إلى الشرق مع ما صُدر من مشكلات وسلعٍ بائرةٍ إلى آسيا وإفريقيا وغيرهما من المناطق خارج أوروبا.

 

وقد لاحظ جمال حمدان الحقيقة المهمة التالية: أن الاستعمار كله ما تم إلا على يد أوروبا وما تم إلا خارجها، ولم يحدث في التاريخ الحديث أن استُعمر جزء من أوروبا باستثناء نقاط من الاستعمار الاستراتيجي في جبل طارق ومالطة وقبرص··· لقد كان الاستعمار -بوضوح- صناعة أوروبية مسجلة ولكنها للتصدير إلى خارج أوروبا فقط وغير قابلة للاستهلاك المحلي بحال (جمال حمدان، استراتيجية الاستعمار والتحرير، القاهرة، ص150-151). ولذلك، لم يفكر أحد قط في تصدير المسألة اليهودية إلى لندن أو باريس، ولم يفكر أحد قط في أن تستقطع منطقة من ألمانيا، حتى بعد مذبحة الإبادة النازية، لإقامة الوطن القومي اليهودي فيها، وإنما كان التفكير في مصر وكينيا وقبرص والكونجو وموزمبيق والأرجنتين والعراق وليبيا. وفي نهاية المطاف، كانت فلسطين هي الضحية الفعلية نظراً لبعض العوامل الخاصة بالاستعمار الصهيوني.

 

 وكانت الصهيونية واعية تماماً بنفسها كحل استعماري للمسألة اليهودية. ولعل المنشور الذي صدر عام 1921 عن المنظمة الصهيونية في بريطانيا العظمى، بعنوان الصهيونية: رد على النقد الجديد، يلخص هذا الجانب من الحركة الصهيونية. فهو يبدأ بتأييد الحقيقة البديهية التي أثبتتها التطورات اللاحقة وهي أن الصهيونية لا تتفق ومبدأ تقرير المصير، لأن هذا المبدأ يعني ببساطة تقبُّل التركيب العرقي الحالي في كل مقاطعة وبلدة. ثم يتساءل المنشور: هل تم الاعتراف في أي وقت مضى من تاريخ المدنية كله بأن استعمار إقليم متخلف لا يمكن أن يتم إلا بموافقة غالبية السكان الحقيقيين هناك؟ لو كانت الحال كذلك لندر أن يُستعمر أي بلد في العالم؟ ثم يدافع المنشور عن الفكرة الأساسية الكامنة وراء الاستعمار، فكرة تصدير المشكلات، فيقول: لو نُفذ مبدأ تقرير المصير حتى نهايته المنطقية المجردة، وتم استفتاء السكان المحليين، لأصبح كل توسع مستحيلاً، ولسارت الجماهير الأوروبية تطوف طليقة وتجول على هذا الطرف من الأطلسي بينما حفنة من الهنود الحمر لا تزال تطوف طليقة في مساحات أميركا التي لا حدود لها (د. جانسن، الصهيونية و"إسرائيل" وآسيا، بيروت، ص 72). وليس من قبيل المصادفة أن بن جوريون شبَّه المعارك العنيفة التي خاضها المستعمرون الصهاينة ضد الفلسطينيين بتلك التي شنها المستوطنون البيض ضد الطبيعة الوحشية وضد الهنود الأكثر وحشية، على حد قوله.

 

 وقد تحدث المفكر الصهيوني الروسي ليو بنسكر عن حله للمسألة اليهودية بالمصطلح الاستعماري نفسه إذ يقول: يتوجب علينا أن نرسل اليهود غير المندمجين والفائضين (غير المنتجين في المصطلح الصهيوني) إلى مكان آخر، فهدف الحركة الصهيونية هو إيجاد وطن آمن يعيش فيه بأمان هؤلاء اليهود الفائضون الذين يعيشون الآن كطبقة بروليتارية عالة على المواطنين الأصليين. ثم يضيف: لو تمكنا مثلاً من توزيع اليهود على كل أنحاء العالم لأمكن، ربما بهذا التوزيع، حل المشكلة اليهودية. ولكنه كان يعرف جيداً أن معظم البلاد المتحضرة (أي الأوروبية) سوف لا تقبل بهجرة اليهود الجماعية إليها، ولذا يجب الحصول على بلد خاص لنا في الولايات المتحدة أو أي ولاية تركية (لطفي العابد وموسى العتر، محرران، الفكرة الصهيونية، ص 91-94). وقد وصف هرتزل الفكرة الصهيونية عن حق بأنها فكرة استعمارية، ولهذا أرسل بمشروعه لسير سيسيل رودس ليضع ختم شرعيته على هذا المشروع. أما ناحوم سوكولوف، المؤرخ والزعيم الصهيوني، فقد حسم التناقض بين الصهيونية كحركة بعث روحي والصهيونية كحركة استعمارية بأن قرر: علينا أن نكون صهاينة في استعمارنا وروحنا وديننا ( إميل توما، جذور القضية الفلسطينية، بيروت، ص52).

 

وإذا كانت الصهيونية فكرة استعمارية، فإن كل مؤسساتها وممارساتها لابد وأن تتصف بهذه الصفة الجوهرية. وقد كتب هرتزل مثلاً في كتابه دولة اليهود عن الشركة اليهودية التي ستقوم بتنفيذ كل من الخطة العملية والمخططات السياسية التي ستعدها الجمعية اليهودية (أي المنظمة الصهيونية). وهذا التصور يشبه إلى حدٍّ كبير نسق الاستعمار الاستيطاني في الجزائر وروديسيا. وحينما تأسست هذه الشركة بالفعل أطلق عليها اسم الشركة اليهودية الاستعمارية (الكولونيالية).

 

والدولة الصهيونية، حسب التصور الصهيوني، هي تعبير عن جوهرها الاستعماري المتأصل، فقد تصورها الصهاينة الأوائل على هيئة إمبراطورية بريطانية مصغرة (إنجلترا الصغرى، على حد قول هرتزل) ودعائم صهيون الجديدة لابد وأن تستند إلى الغزو الاستعماري وتمتد من جبال كليمنجارو في كينيا إلى فلسطين. وتتفق رؤية موسى هس، في كتابه روما والقدس مع رؤية هرتزل، وإن اختلفت عنها في بعض التفاصيل، فهي أيضاً فكرة استعمارية تهدف إلى حل المسألة اليهودية عن طريق تصديرها. فهو يقول: إننا عندما نتكلم عن إقامة مستعمرات في الشرق لا نعني أن يهاجر يهود الغرب كلهم إلى فلسطين (فالدولة اليهودية لا تهدف إلى استيعابهم كلهم)، وإنما نهدف إلى استيعاب الفائض (أولئك الذين فشلوا في أن يشقوا طريقهم إلى الحضارة الغربية بجهد بالغ ويحققوا لأنفسهم مركزاً اجتماعياً). وهس، كان يدرك حدود الرؤية والممارسة، فهو لا يتحدث عن إمبراطورية صهيونية استعمارية، وإنما يتحدث عن مستعمرة أو مستعمرات وحسب ننشئها في بلد أجدادنا بمساعدة فرنسا، صديقتنا الحبيبة، المخلِّص الذي سيعيد لشعبنا مكانته في التاريخ العالمي.

 

والصورة هنا هي صورة فائض يهودي يبحث عن مخرج من مسألته اليهودية يقدم نفسه لقوة استعمارية تقوم بنقله إلى الشرق، ليستوطن هناك وليحل محل أحد الشعوب الشرقية - نظير أن يصبح الجيب الصهيوني الجديد الدخيل عميلاً للقوة العظمى التي تقوم بحمايته، وهذا هو النمط الأساسي الذي يتواتر في الكتابات الصهيونية. ويمكن القول إن الاستعمار الصهيوني هو إفراز للتشكيل الاستعماري الغربي، ولكن إفرازات هذا التشكيل متنوعة، فهو استعمار إحلالي ليست له حركية مستقلة عن الدولة العظمى التي تتبناه. ولعل هاتين السمتين، احلاليته وعمالته، هما السمتان الأساسيتان للاستعمار الاستيطاني الصهيوني.

بواسطة ✭✭✭ (77.6ألف نقاط)

اسئلة مشابهه

0 إجابة
187 مشاهدة
1 إجابة
4.4ألف مشاهدة
0 إجابة
87 مشاهدة
سُئل يناير 5، 2020 بواسطة مجهول
0 إجابة
38 مشاهدة
سُئل نوفمبر 7، 2019 بواسطة مجهول
0 إجابة
49 مشاهدة
سُئل نوفمبر 7، 2019 بواسطة مجهول
0 إجابة
69 مشاهدة
0 إجابة
44 مشاهدة
سُئل أكتوبر 12، 2019 بواسطة مجهول
0 إجابة
122 مشاهدة