عندما يرى الكثيرون في النفط او غيره دافعا كبيرا يسيل من اجله لعاب الغرب والشرق للسيطرة عليه ، وتتحرك جيوش جرارة من اجله بمسميات مختلفة منها الانتصار لحريات الشعوب فانه امر واقع وحقيقة لا مفر منها ،، غير انه ان نجعل من هذا الدافع وهذا البريق اللماع الذي يغري اعين الغزاة و يحرك اطماعهم ، ان نراه هو المعيار الوحيد في ايديولجية القوى العظمى في العالم لان توازن حساباتهاوتتحرك وتندفع لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب المغلوب على امرها الطامحة لتحررها هو امر فيه الكثير من المغالطة و الابتعاد عن فهم السياسة الحقيقية لدول عظمى تقرأ من تجاربها القريبة قبل البعيدة وتستشف وتتعلم من اخطائها .
لماذا لم يتدخل الغرب في سوريا وتدخل في ليبيا ؟
لو قدر للعالم المتحضر بحكوماته ( داعمة الحريات والديمقراطية )ان يعود بالزمن الى ما قبل ثورة ليبيا او حتى مصر وتونس ، ووضع امام مسؤوليته الاخلاقية فانا على يقين تام بان النظرة الى ما يحدث في العالم العربي ستختلف ،، او بالاحرى الموقف من هذا الربيع سيختلف ، لان فيه تهديد حقيقي و خطير على مصالحه وتفوقه وسيطرته على جزء كبير متخلف ومستغل ومسيطر عليه من العالم ، واكبر بكثير من ان يفكر الغرب بمبادلة هذه المصالح وهذا التفوق بقليل من النفط هنا والمعابر والموقع الاستراتيجي هناك ،،
الغرب على يقين تام ان اخطر ما يهدد موقعهم الريادي في العالم هو مثل هذه الصحوات للشعوب النائمة ومن نوعية اولئك الناس الذين يقودون مثل هذا الحراك ،،
لعل عنصر المباغتة و المفاجئة وسرعة التغيير لعب دوره في تحييد الدور الغربي او امكانية التدخل ضد ثورة مصر وتونس ، ولعله في ليبيا ان كان للتاثير الاني لنفط ليبيا و قليل من المسؤولية الاخلاقية امام حجم القتل في الصور القادمة من بنغازي ، وسهولة المهمة ، وضعف الدور الليبي اقليميا وعالميا ، ولا ننسى بالاخص الشخصية الساذجة والبسيطة لشخص القذافي الذي اسهم اكثر من غيره في ان يكون للناتو دور في ليبيا .
سوريا اهم بكثير من ليبيا ، سياسيا وجغرافيا و اقتصاديا و استراتجيا ،، سوريا ادعى ان يسيل اللعاب لاجلها وادعى ان يسعى الغرب لخطفها من الخاصرة الايرانية ،، سوريا تحقق للغرب المثل القائل ( ضربة الشاطر بالف ) وربما اكثر من الف بكثير .
لو اراد الغرب التغيير في سوريا لحولوه حقيقة بين ليلة وضحاها ،غير ان مصالحهم الان تبدلت وتغيرت ،
الامر تعدى كونه سذاجة او كذبة الدفاع عن الحريات او الانتصار لمظلوم ،، وتعدى الطمع في امتيازات والتحكم بمنافذ ومعابر ، تعدى تغيير انظمة لا تقدم ولا تؤخر وليس لها من حكمها الا كرسيها الذي تجلس عليه ، فهي غير ذات خطر ، في سوريا وكما يتردد على لسان الكثير من المسؤولين العرب والغرب ،، انهم امام لحظة الحقيقة ،، لحظة الحقيقة ليس في ان يوقفوا الة القتل وان يتغير مجرد نظام ،،، انهم في سوريا اما خطر ،، وخطر حقيقي ،،اظنه الخطر القادم من الشرق ،، الان تحسسوه والان تلمسوه وبدأوا يرون نتائجه ،، هم لا يرونها فوضى كما يراها للاسف الكثير منا ،، هم يروها صحوة وحالة تغيير شامل وربما نهضة لامة كانت مستكينة مستسلمة تحت وطأة وثقل حكامها السذج .
تعجل الغرب في ليبيا، و اظنه نادما جدا على ما اقدم عليه ، ولو عادت الكرة فبالتأكيد انه لن يتحامق .
الان وفي المنظور الغربي المتفوق ، ليس اعظم غنيمة من مجرد الفرجة على شعب مقهور مسلوب يقاوم ويناطح وحشا همجيا بربري ، وليس عليه افضل من ان يطول امد هذا الصراع و يمتد الى مالانهاية ، وان يستنزف كل مقومات الحياة لشعب لعقود طويلة ، يستغرق فيها في متاهات الالام وصور المعاناة الى ان يبدا يستعيد قوته ويفكر في بناء نفسه من جديد ، عندها سيكون ذاك العالم المتفوق امام تحد جديد ، وسنكون نحن قد بدأنا للتو نستفيق . انه ثمن باهظ ورهيب ، ولكني اظنه ثمن طبيعي وعادل لكم هائل من الاخطاء و التنازلات وعقود الاستكانة ، وثمن مناسب لشعب قرر ان يحرر نفسه بنفسه حتى لا يعود ويقع في شرك مستبد اخر مرة اخرى ، لعلها العناية الالهية وحدها من شاءت ان تطهر نضال هذا الشعب من كل رجز واثم ، وان ترفعه بين الامم وتظهره للعالم انموذجا فريدا من نوعه وكأنه رد على عقود طويلة نجح فيها نظام مستبد في اخفائه و كبحه و سحق ارادته وكرامته وشخصيته .
